السبت، 21 يناير 2012

عن معبر رفح المفتوح إعلاميا


من غرائب الشعب المصاب بداء ذاكرة السمك, انه عندما تم فتح معبر رفح إعلاميا في شهر مايو الماضي لكي يحقق المجلس العسكري مكاسب سياسية بدون تغيير يذكر على أرض الواقع, شعرنا بنشوة الانتصار, و بدت إسرائيل منكسرة إعلاميا, فزاد هذا من حالة النشوة المزيفة عند الشعب الذي اعتقد أننا نحقق نصرا تلو نصر على صعيد العلاقات الخارجية. في هذا الوقت قالوا أن المعبر سيفتح بشكل دائم, و كما أن السنة الواحدة في تقويم التجنيد العسكري المصري المتفرِّد 13 شهرا, نجد أن "بشكل دائم" في تقويم العسكر تعني فتح المعبر 8 ساعات يوميا للأشخاص فقط و لبس للبضائع و يستثنى من هذا الانفتاح الرجال من دون الأربعين و فوق سن ال18! ثم عرفنا فيما بعد أن القوائم السوداء التي تحتوي على أسماء نصف سكان غزة تقريبا لم تختفي و مازال معمولا بها على المعبر, و أن الإناث أيضا يعانون من نفس الصعوبات. و هكذا فقد حاز الفتح الإعلامي على تغطية واسعة جدا في أول أيامه, ثم عندما بدأت الأقاويل تتناثر عن الصعوبات المستمرة التي يواجهها سكان غزة في العبور, وأن التغيير الذي حدث هو تغيير كمي بسيط و ليس تغيير نوعي, لم تحصل هذه التطورات بطبيعة الحال على نفس القدر من التغطية الإعلامية.  بعد هذا يأتي صيفا ملتهبا مليء بالاضطرابات السيناوية و التي تستغل أيضا إعلاميا لتعظيم الإحساس بالخطر الفلسطيني المفتعل أو الخطر الخارجي, من جانب, و بخطر التطرف الديني المسلح من جانب آخر. و لتوظف لأغراض البروبجاندا العسكرية, فبدأنا نقرأ في الجرائد عن أن الجيش انتشر بسيناء و بدأ في تنفيذ العملية السرية "نسر" (في حد بالذمة بيعلن عن عملية سرية في الجرنان الرسمي قبل ما ينفذها؟؟) وأن القوات المسلحة نجحت في إدخال بعض المعدات الثقيلة و مروحيات الأباتشي إلى المنطقة ج  رغم انف إسرائيل و بنود اتفاقية السلام (مع إن كل ده بيحصل بتنسيق مع وبمباركة إسرائيل تماما فهي تفضل أن تظل سيناء منطقة أمنية محتلة إلى الأبد و تخشى اليوم الذي تتحول فيه سيناء لمنطقة مأهولة سكانيا و منتعشة اقتصاديا).

و تتحول سيناء إلى ثكنة عسكرية مرة أخرى, وتستمر سياسات العزل و التهميش لسكانها بل و تنتعش بحجة الخلل الأمني المتفاقم, و يشعر سكان سيناء أكثر من بقية المواطنين بحده الخازوق العسكري الي لبسناه بعد 11 فبراير, و يظل معبر رفح مغلق إلى يوم الدين أو حتى زوال سكان القطاع عن بكرة أبيهم—أيهما اقرب. لذا نصحو في أحد أيام يناير 2012 لنطالع خبر مثل هذا الخبر " مصر تفتح معبر رفح استثنائيا لعبور أطباء أتراك إلى غزة ",  فنجد أنفسنا مندهشين و يراودنا شعور بأن شيء ما ليس على ما يرام و لكننا لسنا متأكدين من ماهيته, فقد  نسينا, نحن المصابون بداء ذاكرة السمك, أن الحكومة المصرية خرجت علينا منذ أشهر ليست ببعيدة معلنة فتح معبر رفح "بشكل دائم", تماما كما نسى شعب مصر من قبل أن المعبر كان مفتوحا قبل 2007, و أن فتح المعبر هو الوضع الطبيعي و ليس الاستثنائي, فتحول جزء كبير منهم إلى أبواق للفكرة المفرطة في السذاجة عن أن غلق المعبر هو الوسيلة الوحيدة لمنع تفريغ فلسطين الأم من سكانها بعد أن يستوطنوا سيناء, وكان هذا من تداعيات الغيبوبة الجماعية التي صنعها شارون بعد أن نقل خط الصدع من غزة و إسرائيل إلى حدود غزة و سيناء.

يبقى الوضع كما هو عليه—أو أسوأ قليلا—حتى إشعارا آخر. بس و الله  لتنضفي يا بلد و لو بعد حين.

راجع: