الأحد، 14 أكتوبر 2012

عن العفو الرئاسي والعدالة الاجتماعية التي لم تتحقق إلا يوم 28 يناير


مستشار الرئيس محمد فؤاد جاد الله بيقول إن العفو الرئاسي يشمل ما يقرب من 2500 شخص, ويشمل كل من ارتكب جناية أو جنحة أو شرع في ارتكابها وكان الهدف منها مناصرة الثورة أو تحقيق أهدافها, ويعد باسقاط قضايا محمود محمود ومجلس الوزراء والعباسية. العفو على أساس مناصرة الثورة وإسقاط القضايا دي خطوة مهمة وإيجابية وفيها اعتراف بالشرعية الثورية التي لا يمكن أن تظل حبيسة القوانين التي قامت الثورة عليها--القضايا دي كانت أكبر تمثيل لتناقض الخطاب الحكومي الي بيعترف أحيانا تحت ضغط بشرعية الثورة وبرضه بيحاكم الي بيحدفوا طوب على الشرطة..


لكن يظل العفو الرئاسي ناقصا. المستفيد منه هم الثوار, ولهذا السبب القرار سيلاقي ترحيب من قطاعات واسعة ومن الثوار أنفسهم طبعا, لكن الثوار مش هما لوحدهم الي عانوا من ظلم وبطش وعشوائية القضاء العسكري في الـ18 شهر. يستثني من القرار من حوكم بتهم "السرقة بالاكراه" و"القتل" "وترويع الآمنين". للعلم المتظاهرين لما كانوا بيُعتقلوا كان في رزمة تهم كدة جاهزة للتلفيق ليهم--منها أحيانا حيازة مفرقعات وأسلحة, والرئاسة معترفة ضمنيا في إصدارها العفو أن المتظاهرين كان يتم توجيه اتهامات لهم مختلقة تماما. بنفس المنطق كان القضاء العسكري بيتعامل مع الناس في الشارع, بعيدا عن السياسة. أطفال كتير اتحاكموا, وقبض عشوائي لناس وحرمان من حقهم في حضور محامي. الناس كان بيتفلق لها تهم أكثرها شيوعا هي ترويع الآمنين, يا إما عشان خنافة في الشارع, أو ممكن يكون الشخص حرامي فعلا واتلفق له تهمتين تلاتة فوقيهم احتياطي, أو لارتكاب مخالفات إدارية, أو عشان واجد اتخانق مع ظابط جيش او حك باب عربيته--القضاء العسكري شديد الانحطاط, وضباط الجيش كان عندهم حالة استمناء سلطوي غير مسبوقة...



يوم 3 فبراير لما اعتقلت من الجيش لمدة يوم كانت بداية إدراكي للدور الي الجيش كان بيلعبه في الثورة. قعدت معتقل معاهم يوم واحد اتقبض فيه على كمية بشر مش طبيعية. أغلبهم كانوا ناس شكلهم غلبان أو "غلط"..وجريمتهم كانت التواجد في المكان الغلط في الوقت الغلط. يا إما ناس مش فارق معاها إن في ثورة وحظر تجول ورايخين شغلهم, يا اما الفضول دفعهم للتواجد في أماكن غير مسموج لأمثالهم بالتواجد فيها مستغلين الظرف الثوري, والي منهم كان بيشحت أو حتى بيسرق..ومنهم ناس كانت رايحة التحرير--الضباط كانوا رابطين واحد جنبي كبير في السن وشكله غلبان. سألوه "وأنت كنت رايح فين؟" فال لهم أنا رايح التحرير أجيب حقي, قعدوا يتسلوا عليه نص ساعة "أنت فاكر نفسك من شباب الثورة أنت كمان؟"..تعريف الثورة على أنها "ثورة شباب" فتح الباب لظلم وقمع ناس كتير..تاني يوم إتكومنا في ميكروباص كلنا وعيوننا متعصبة وخدونا الي وجهة لم نعلمها. في منتصف الطريق أطلق سراحي أنا وزملائي "عشان احنا متعلمين وولاد ناس" على حد قول ضابط المخابرات الحربية. معرفش الناس التانية حصل لهم ايه, أغلب الظن انهم ما زالوا في سجون العسكر...أنا بشعر بذنب وعجز شديد لما أفتكر الناس دي--العدل الحق هو اطلاق سراح أي حد اتحاكم عسكريا في السنتين لان دي مش مجاكمات اصلأ, أيا كانت التهم. 



القرار اذا أنصف الثوار لكن مافيش نظام سياسي مالوش مظاليم, مهما كان مستوى المشاركة السياسية الي بيسمح بيه. لا بد من وجود مهمشين, بلا صوت أو وزن سياسي, وبلا منفذ الى الآليات الي تسمح لهم بالشكوى من الظلم الواقع عليهم. فيتعايشون مع الظلم, حتى تتيح لهم الفرصة التاريخية النادرة أن يحصلوا على ما لم يستطيعوا انتزاعه أبدا عن طريق القنوات الرسمية--التعبير عن رفضهم لواقعهم, زي يوم 28 يناير. 



يوم 28 يناير هو اليوم الوحيد الي تحقق فيه العدل. شعار العدالة الاجتماعية دة الي تم تفريغه من كل مضمون--لم يتحقق إلا ما بين عصر 28 يناير وغروب الشمس يوم 29 يناير. كل ما حدث بعد ذلك هو محاولة لإحتواء آثار هذا اليوم...الثورة دخلت الطور "العلق" والمطالب أصبحت مطالب سياسية تقليدية "إسقاط رئيس ودستور جديد", المساواة الحقة مطلب يصعب صياغته بوضوح--ولهذا السبب يدخل في طور التنفيذ وش كدة في لحظات الثورة, وبسبب كلفته العالية بالنسبة لمن يملكون وزنا سياسيا, فالتنفيذ لا يمكن أن يستمر أكثر من يوم أو أسبوع...



عشان كدة أنا بحلم بتكرار 28 يناير. مش عشان أنا فوضوي أو معادي للديمقراطية, لأن دة اليوم الوحيد الي كان في مساواة وعدل حقيقيين--ونفرج عن الي هيفضلوا محبوسين..