الأربعاء، 1 مايو 2013

بارسونز وسبايز وانتصارات واخفافات المطالبين "بيوم العمل الطبيعي" منذ 1 مايو 1886..

ماي داي\عيد العمال هو برضه فرصة ظريفة لتذكير أصدقائي الليبراليين والعيال البضان الي بتستخدم مصطلح "شمامي الكلة" أو الي بيسخروا دائما من سذاجة الاشتراكية وبلاهة الأناركية, انه لولا شمامي الكلة الي اتقتلوا وأعدموا في أحداث ماي داي الأول عام 1886, مكانش بقى فيه 8 ساعات عمل (كما قال محمد خير "هتندهش لو عرفت كمية التفاصيل الاشتراكية في حياتك") وكان زمانك لسة مملوك فعليا لصاحب العمل, لا بتاخد--أنا بتكلم عليك لأني هافترض انك بتشتغل شغلانة مرتاحة مادام بتتكلم عن الوضعية وكارل بوبر والديمقراطية الليبرالية--معاش ولا تأمين صحي ولا أجازات ولا بتمضي حضور وانصراف. الأول من مايو هو ذكرى سلسلة من الاضرابات والمظاهرات في أمريكا في ثمانينات القرن التاسع عشر--العصر الذهبي للنقابات العمالية الأمريكية--التي كان لها مطلب واحد رئيسي بالنسبة لك النهاردة هو حاجة بديهية جدا: أن يتم تحديد ساعات العمل بـ8 ساعات في اليوم (أمريكا كانت متأخرة في الموضوع دة شوية). 1 مايو هو أول يوم يتم تنظيم فيه مسيرة في شيكاغو قوامها عشرات الالاف للمطالبة بظروف عمل أكثر عدلا لعمال القطاع الخاص والعام على حدَّ سواء, ودخل في نفس الوقت مئات الالاف في ولايات أمريكا المختلفة في سلسلة من الاضرابات لدعم المطلب. يوم 3 مايو حصل احتكاك ما بين العمال المضربين في مصنع مكورميك الشهير في شيكاجو والعمال المشاركين في كسر الاضراب تحت حماية 400 رجل شرطي, وانتهى بان الشرطة اطلقت الرصاص على تظاهرة العمال المضربين وقتلت اثنين. في اليوم التالي قررت اتحادات ونقابات عمالية مع عدد من العيال الأناركيين الي مربيين شنباتهم بتوع شيكاجو تنظيم مظاهرة في هاي ماركت اعتراضا على قتل اتنين من العمال بدم بارد. استمع المتظاهرين لعدد من الخطابات ثم تدخلت الشرطة لفض المظاهرة بقوة مع انها كانت مظاهرة سلمية وأمرت بتفريقها. في اللحظة دي في حد ألقى "قنبلة مونا" ومات 7 رجال شرطة, وأطلقوا الرصاص بعشوائية بعدها قتلت أربعة على الأقل وأصابت العشرات. 

طبعا التأثير المباشر للتطور العنيف للمسيرة كان كارثي على التنظيمات العمالية وأي حد له علاقة من قريب أو بعيد بالاشتراكية في أمريكا, وحالة ذعر وهلع انتشرت واستقرت لسنوات طويلة في المجتمع الأمريكي وساهم فيها الإعلام الي كان معادي بشدة للتنظيمات دي. واذا قارنت رد الفعل ده برد الفعل (المنعدم تقريبا) لقتل 2 من عمال مكورميك في اليوم الي قبله لمجرد انهم تظاهروا مطالبين يوم عمل يسمح للانسان بممارسة أشياء أخرى في حياته هتستعجب: حالة الاستعداء الشديد والاضطهاد لم تصب للعمال والاشتراكيين والأناركيين فقط ولكن شملت المهاجرين كلهم الي شكلوا جزء كبير من الطبقة العاملة وقتها--عمال ألمان وبوهيميين--من التشيك يعني--وسكاندينافيين بالأساس (مافيش حد ملون يعني لا سمح الله). وبعدين جابوا عدد من القيادات النقابية وأحد الكتاب الأناركيين المعروفين من الي القوا خطابات يوم 4 مايو وخاكموهم محاكمة هزلية تم انتقاء المحلفين فيها ببجاحة شديدة على أساس انحيازاتهم ضد "الإشتراكية" (في مناخ عام كان مبشرا ببداية الفزع الأحمر) والقاضي فيها كان منحاز انحياز لا يليق بمعالجة سينمائية رديئة حتى, وأعطت المحكمة أحكام متفرقة وتم اعدام أربعة منهم: أشهرهم ألبرت بارسونز والأناركي أوجوست سبايز المنظمين لمسيرة الأربعاء من مايو, على الرغم من أن المحكمة كانت مقتنعة أنهم لم ينفذوا الجريمة أصلا ولكن الاتهام كان على أساس التآمر وتهيئة الاجواء لاستهداف رجال الشرطة وهطل من هذا القبيل.

أمريكا لم تتعافي مطلقا الحقيقة من حالة الهلع الأحمر وان كان التاريخ أنصف منظمي المسيرة والمحكوم عليهم بالاعدام جزئيا--النهاردة المحاكمة بتعتبر فضيحة في تاريخ القضاء الأمريكي (وهو ما لم يمنع هذا النوع من الفضائح من التكرار بالمناسبة), وأول من ندد بها هو محافظ الينوي سنة 1893, والظريف ان جريدة نيويوك تايمز--نظير المصري اليوم ساعتها--التي ساهمت بشدة في تأجيج حالة الذعر, وعناوينها سنة 1886 كانت كلها شتيمة في "اليد الحمراء والأفكار الهدامة للأناركية" وتلفيق اتهامات للمنظمين ورثاء لرجال الشرطة الأبطال, هي نفسها الي في تلاتينات القرن التالي وصفت العمال المقتولين يوم واحد مايو بشهداء شيكاغو الأبرار. المهم انه بالرغم من التأثير المباشر الي فشخ الحركات العمالية بمطابها إلا انه بعدها بسنتين تم تنظيم مظاهرات عمالية عالمية (أغلبها في مدن العالم الغربي طبعا) مختلفة لرثاء من سقطوا في احداث شيكاغو عام 86 وللمطالبة "بيوم عمل طبيعي". الموضوع طوِّل حبتين--على الأقل في أمريكا التي لم تحصل على قانون فيدرالي موحد ينظم ظروف العمل ويحدد ساعات العمل الرسمية بأربعين ساعة في الأسبوع إلا في عصر روزفلت في ثلاثينات القرن العشرين, لكن مفهوم "يوم العمل الطبيعي" والذي ظهر في بريطانيا في أعقاب الثورة الصناعية لما كانت الناس بتشتغل 246 ساعة في اليوم وأخد دفعة حلوة مع ثورة 1848 وواجه مقاومة شديدة من الحكومات وأصحاب الأعمال في العالم الغربي, على منتصف القرن العشرين كان بقى أصبح حاجة مسلم بيها خلاص عقبال عندكم..وكله بسبب سخافات شمامي الكلة يا مؤمن..

الثلاثاء، 26 مارس 2013

في تعريف العنف وأنواعه المختلفة



عودة للنقاش بتاع العنف: في مشكلة رئيسية في تعريف العنف, بمنتهى الأمانة, ناس كتير عندها قصور في مفهومها للعنف, منشغلة فقط بأشكال معينة من العنف وعندها بلادة كاملة تجاه أشكال أخرى منتشرة وموجودة ومزعجة. بعض من هذا القصور يعود لارتباط تعريف العنف ذاته بالأطراف الي بتمارسه (تجريم الشخص وليس الفعل). دي مشكلة يبدو أنها ناتجة عن ارتباط فهمنا للعنف بما تم ارضاعه لنا في الكتب المدرسية والمسلسلات وما ترسخ في الوجدان الجمعي للمجتمعات الحديثة عن احتكار الدولة للعنف الشرعي, والذي يتعامل معه الكثير من الناس باعتباره أمر واقع لا يقبل النقد. يعني بدايةً بيكون في تسامح مطلق مع الدولة "كفكرة", بعدين بيحصل تراكم لممارسات عنيفة معينة من قبل الدولة والناس بتتعايش معاها بسبب توازنات القوة, فبقت مبلوعة ومسكوت عنها طالما أن من يمارسونها يرتدون زيا موحدا--بالرغم من أنها في بعض الأحيان تمثل أكثر أشكال العنف الموجودة في المجتمع لاإنسانية, ولكننا اصطلحنا على تسميتها "بانفاذ القوانين", ومهما كانت درجة فجاجتها بنعتبرها "إفراط في استخدام القوة".

لو بصينا على بعض من أشكال العنف المنتشرة--بدرجاتها المختلفة برضه--في مجتمعنا نظرة مجردة من الانحيازات هنلاقي:
- السحل والتعذيب واطلاق الرصاص على مواطن سايق عربيته من غير رخصة في رأسه عنف.
- ركوب المواصلات العامة في مصر عنف--عنف يومي بسيط ومتراكم.
- منع ناس معينة من الذهاب الي أماكن معينة هو عنف--توقيف الشرطة لناس شكلها يوحي بأنها لا تنتمي الي هذا الحي أو ذاك عنف, عنف غير قانوني. التهديد باستخدام العنف او معرفتك المسبقة بان عدم الانصياع قد يؤدي الي عنف, هو نوع من العنف--العنف المحتمل.
- التحرش عنف, خناقات طوابير العيش والبنزين عنف. الاعتداء الجنسي على المتظاهرات للسيطرة على المجال العام عنف.
- 73 واحد ماتوا في الاستاد عنف, 17 شخصا يموتون دهسا تحت مجنزرات الجيش عنف, و21 حكم بالاعدام--حتى قبل أن يتم تنفيذه--ضد أشخاص الكثير منهم لا يوجد دليل إدانة واحد حقيقي ضده, عنف, أو دعوة للعنف وهذا النوع من العنف اللاعقلاني لا يجد أمامه المواطن الا اللجوء للعنف المضاد--او للهستيريا--كما حدث خارج سجن بورسعيد. قتل حوالي 30 شخصا في حالة هستيريا خارج أسوار السجن هو درجة غير مسبوقة في لاعقلانية ووحشية العنف.
- انسداد القنوات الشرعية للتغيير من واقع المعيشة هو عنف, لأنه لا يترك سبيل إلا للعنف. الاعلان الدستوري كان عنيف جدا, عنف مكتوب في شكل قوانين, زي ما قوانين الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بالظبط كانت عنف لم يمارس بعد: يخلق العنف المضاد ثم يمارس العنف باسم "حماية القانون".

النقطة التانية هو ان الوقوف عند واقعة ما ورصدها بصورة منفصلة عن ما سبقها من وقائع على أنها بداية العنف هو محض تدليس. العنف من الدولة بدأ من زمان, المشكلة في قدرة الشخص الي بينتقد الواد الي ظهر فجأة خارج وزارة الداخلية ماسك طوبة في ايده على العودة بعقارب ساعته الي أكثر من تلات ساعات أو تلات أيام الي الوراء! اقد يكون أن "من يحارب الوحوش" يتحول ببطء الى وحش --ده واقع بيحصل لنا.. العنف أصبح جزء من الواقع المجتمعي المصري للكثير من الأسباب--هو كان طوله عمره جزء مبدئيا, حتى لو ماكنتش بتشوفه في الأحياء السكنية النموذجية بتاعتك, لكن تغير علاقات القوة في المجتمع مع استمرار انسداد القنوات الشرعية وسع من نطاقه. ده واقع من حقك ترفضه, لكن لن يتغير بأنك تصحي كل يوم الصبح تقول "إلي أين يا مسر"...