الأحد، 24 يوليو 2011

وقائع مسيرة العباسية يوم 23 يوليو 2011




يعتقد البعض أن كل من تعرض للمتظاهرين فى العباسية يوم 23 يوليو كانوا بلطجية مأجورين من الشرطة, و يصر البعض الاخر على ان كل من شارك فى العنف ضد المتظاهرين يوم 23 يوليو هم من أهالى العباسية و ان ما حدث يدل على غضب سكان العباسية--و الشارع المصرى بصفة عامة--الذين طفح بهم الكيل و فاض من "عمايل" معتصمى التحرير. و الرأيين فيهم شيء من المغالطة فالأول مبنى على نظرة رومانسية بعيدة عن واقع الشارع المصرى و الثانية التى يتبناها بعض النشطاء فيها قدر لا بأس به من المغالاة و المبالغة في جلد الذات. عموما سأعرض شهادتى عما حدث و اختصار للاحاديث الى دارت بينى و بين الاهالى و الظباط و اترك الحكم على حقيقة الطبيعة "الديموغرافية" للمجموعات التى هاجمت المسيرة للى هيقرا.  

بدأت المسيرة بعدد لا يتعدى ال500 و طافت مرتين داخل الميدان لاستجداء الناس للانضمام ثم توقفت قليلا عند المنصة واستمعنا لخطبة حماسية لاثنين من شيوخ الازهر و شيخا ثالث يعمل بوزارة الأوقاف ثم بدأنا فى التحرك. لاحظت ان العدد زاد أول ماوصلنا شارع رمسيس و قبل ما نوصل عند مقر جمعية الشبان المسلمين تقريبا كان العدد تعدى ال5000  (صحابى كانوا بيتصلوا بيه يقولولى "احنا شايفين على النت العدد وصل 20,000 او 30,000, فكنت بقولهم ان الرقم ده مبالغ فيه جدا و رغم انى ماكنتش شايف من مكاني أول و لا آخر المسيرة الا انى لا اعتقد ان العدد لم يزيد عن 7000 فى اقصى تقدير), عموما انا جريت للصفوف الاولية عشان احاول اقدر العدد و بصفة عامة العدد كان اكتر مما توقعت و المسيرة كانت حيوية جدا بالذات بسبب الاخ ابو بيريه إلى كان ماسك الميكروفون و عنده بئر لا ينضب من الهتافات الحماسية.

لى تعليق برضه عن تفاعل سكان الشوارع التى مرت بها المسيرة و المارة بصفة عامة من المظاهرة: قرأت في شهادة أخرى لأحد النشطاء الذين شاركوا فى المسيرة ان المارة و سكان المناطق التى مرت بها المسيرة تفاعلوا بصورة أغلبها سلبية مع المتظاهرين, و هي ملاحظة غير دقيقة فى رأيي او على الأقل غير مكتملة. حصل بالفعل بعض المشادات الكلامية مع بعض الناس و اذكر ان كان فى واحد من الاهالى الى واقفين فى البلكونات بيشاورلنا بصباعة و بيهز راسه فى اشارة الى رفضه للمسيرة او الهتافات الى تركزت الانتقادات فيها على المجلس العسكري, لكن كان فى عدد كبير من الناس (فى تقديري أكثر من عدد الرافضين) بحيينا إما بالتصفيق او الإشارة بعلامة النصر (واحد من طيارين كوك دور قعد يطنطط جنبنا و هو بيشير بعلامة النصر على الرصيف). وصلنا الى اخر الشارع عند مسجد النور لنجد الطريق مسدود بالسلك الشائك و من وراءه عدد محترم من المدرعات و الجنود من الشرطة العسكرية و الصاعقة. بدأنا فى الكلام مع ضباط الشرطة العسكرية و محاولة إقناعهم بالسماح لنا بالمرور مستشهدين بسلمية المظاهرة و بوداعة منظر المتظاهرين (او  اغلبهم على الأقل). أثناء الحديث بدأ بعض المتحمسين في محاولة دفع السلك الشائك بأيديهم فمنعاهم بسرعة و أكدنا للجيش اننا لا ننوى المرور إلا إذا سمحوا لنا بالمرور. لم يمر أكثر من عشر دقائق حتى بدأ قذف الحجارة من شارع داخلي مقابل لمسجد النور—و بما أنى كنت من الواقفين في الصف الأول عندما بدأ الضرب فمن واجبى أن اؤكد ان المتظاهرين لم يبادروا باى عنف او محاولة استفزاز و ان الهجوم بدأ من الشارع المقابل لمسجد الفتح سواء كان من طرف بلطجية او سكان المنطقة و الله على ما أقوله شهيد. أول ما بدأ الضرب بدأت مجموعة من الشباب المتحمسين فى رد الضرب بالحجارة و فشلت جميع محاولات احتواء العنف من جانب المتظاهرين. مافيش مفر من إنكار ان قلة من المتظاهرين كان عندهم استعداد للتعامل مع العنف بعنف و كانوا رافضين تماما لفكرة ضبط النفس و الحفاظ على سلمية المسيرة بغض النظر عن تعرضها لهجوم غير مبرر, و رغم ان ده قد يندرج تحت بند الدفاع عن النفس المشروع إلا اننا حاولنا أن نشرح لهؤلاء المتحمسين ان رد العنف بالعنف سيحسب علينا خصوصا ان الاعلام الحكومى يعمل على مدار الساعة على تعبئة الرأى العام ضدنا و أن السياسة الأفضل فى الوقت الحالى هى ضبط النفس عشان مانبقاش دخلنا برجلنا في الفخ الى نصبوهلنا.  و بعد فترة من التخبط و مع استمرار الهجوم بالطوب و المولوتوف و الزجاج المكسور من الشوارع الجانبية اصبح من المستحيل احتواء العنف و استمر الضرب لساعات بعدها, و بعد ساعة تنبهنا الى حقيقة اننا اصبحنا محاصرين بعدما تعرضنا لهجوم خلفى من شارع رمسيس—فبقينا بنترضب من جبهتين و الطريق مقفول من الناحية الى واقف فيها الجيش. التصرف الوحيد الى الجيش اتخذه كان ضرب نار فى الجو من مدفع الى بس الموضوع استمر دقيقتين او تلاتة على الاكثر و لم يكن له تأثير على أى من الأطراف المتشابكة . استمرت حالة من الكر و الفر و الضرب يتزايد احيانا ثم يهدأ احيانا. الضرب يهدى شوية و نروح نكلم الظباط من وراء السلك الشائك و فجأة نلاقى قزايز و طوب بيتحدف علينا و احنا بتحاول بالعافية نطلع راسنا من جوه السلك من غير ما وشوشنا تتشرح عشان نلحق نجرى فى اتجاه الرصيف! بعد ساعة تقريبا عاودنا الحديث مع الضباط, اصر الضباط على التأكيد على الاوامر الى تلقوها بعدم التدخل, و قلنالهم احنا عارفين ان عندكوا اوامر لازم تنفذوها, بس لازم تعرفوا برضه إنكم كجيش و خصوصا فى الفترة دى الى بتقوم فيها واقعيا بدور الشرطة فى الشارع عليكم مسؤولية التدخل لفض الاشتباكات و منع وقوع إصابات بين المدنيين.  يرد على احد الظباط "والله العظيم احنا النهاردة منزلنا بأوامر ان احنا منضربش حتى لو اضربنا او اتشتمنا" (يقول هذا ليدلل على ان الجيش لا يحمل ضعينة للمتظاهرين, فى حين ان الكلام ده مؤشر على حاجة واحدة ان الجيش الى اكيد كان على علم مسبق بحالة التربص فى منطقىة العباسية و إن اشتباك من المؤكد هيحصل, ادى الاوامر دى عشان الناس تفضل تضرب فى بعدها لحد مانستنزف تماما و فى الاخر المجلس الاعلى هو الوحيد المستفيد من ترسيخ الفكرة السائدة عند قطاع كبير من الشعب ان المظاهرات و المسيرات فوضى و تخريب و عربيات بتتحرق و اسعاف نازل عكسى من على الكوبرى الخ).

حاولنا اكثر من مرة اقناع المتظاهرين بالخروج و العودة للتحرير عن طريق المستشفى الجامعى, و لكن المتظاهرين أبدوا تخوفا من ان يستمر الضرب و الملاحقة من شارع رمسيس حتى لو قررنا الانسحاب (كثافة الهجوم من شارع رمسيس ماكنتش مبشرة بان الضرب هيتوقف لو انسحبنا و طلعنا على شارع احمد لطفى السيد). فضلنا واقفين شوية مترددين و بندور على أفضل طريقة للخروج بس كمجموعة واحده (فى حين ان الضرب من الشارع الجانبى المتفرع من رمسيس كان مستمر). توالت الإصابات و منظر الناس الى متشالة على الاكتاف و هما فاقدين الوعى فكرنى بموقعة الجمل. و احد من المصابين كان عنده 14 سنة بالكتير كان مصاب بخرطوش فى بطنه—و الاصابة دى كانت قبل ظهور الأمن المركزى  (الحق يقال انا ماعرفش اميز اصابة الخرطوش عن غيرها لكن الطبيب المسعف أكد لى انها كانت اصابة خرطوش). رجعت تانى للظباط الواققين خلف السلك الشائك و بقولهم "طيب يا جماعة لو مش عايزين تدخلوا لفض الاشتباك ماتعلمونا شوية تكتيكات عسكرية—عايزين نعرف ازاى نتقهقر و احنا بنتضرب من الخلفية عشان ننسحب بأقل خسائر ممكنة؟" كشروا فوشى كالعادة. بعد شوية ظهر الأمن المركزى لفترة وجيزة ضربوا قنابل مسيلة للدموع علينا وصل تأثيرها لظباط و عساكر الجبش الى واقفين ورا السلك الشائك فقعدنا نهرج معاهم و نقولهم "دى حاجة بسيطة خالص ده كده الأمن المركزى بيسلكوا زورهم بس" بعض الناس  فقدت اعصابها تماما و قعدت تشتم فى الضباط و تصفهم بالجبن و طبعا ماكانوش بيردوا. على الساعة 8 اتفتح مسجد النور الى كان مقفول لينا واعتلى المنيبر واحد من الشيوخ المنضمين لمسيرتنا. الشيخ صلى بينا العشا و اطال فى الدعاء قبل السجدة الاخيرة و بدأ فى البكاء بحرارة و عندما دعا قائلا "يا رب ليس لنا الا انت فقد تركنا الناس و لم يعد لنا إلا أنت" بكينا كلنا معاه. ثم بعد الصلاة بدأ فى مناشدة الناس ان يعودوا للتحرير حقنا للدماء.

في الساعات الأخيرة قبل ان ننجح في ان نوحد الصفوف للعودة جمعا لميدان التحرير بدأ أهالى المنطقة فى الاختلاط بالمتظاهرين و الحديث معهم. واحد من أهالى العباسية قالي ان فى عملية استنفار"شغالة من امبارح" و ان "ناس كده" (لم يحدد هويتهم) من امبارح بليل بتحشد ناس على أساس ان في "عملا و خونة رايحيين يولعوا فى وزارة الدفاع بكرة و النتيجة ان الناس دى محنشدة من الساعة 3 و مستنياكوا عشان يضربوكوا" . بعد شوية تدخل فى الحديث واحد تانى و قعد يجادل معانا بقوله حضرتك مين؟ قال لى "انا واحد من الى كنت بضرب فيكوا من شوية! ايوه كنت بضرب فيكوا مانا شايف ضرب و مش عارف مين الى بيضرب!". صعب عليا حاله و حالنا ماحنا الاتنين حالنا من بعض و الذنب ذنب الى عايز يحكم البلد عن طريق التفرقة و اثارة الفتنة.

ثم دار حديث بينى و بين اتنين تلاته كانوا من سكان المنطقة متعاطفين مع الثوار و اكدوا ان كان فى سوء تفاهم حاصل. بعد كده كلمت مجموعة تانية عمرهم مايزدش عن 16 سنة كان رأيهم مختلف تماما و قعدوا يرددوا كلام فارغ عن الدعارة و المخدرات في الميدان—واحد منهم ورانى اصابة فى دراعه من التراشق بالطوب. تركت الحديث مع الأهالى و بدأنا فى تكثيف الجهود من اجل الخروج فى كتلة واحدة و العودة الى التحرير. ثم سمعت واحد (راجل كبير فى الخمسينات مثلا) بيقول "الواد بيقول للظابط هنرجعلكوا تانى—عيال قليلة الادب متربيتش". كان الكلام مع السكان خاصة المتاثرين منهم بالاشاعات البلهاء من عينه جنس و مخدرات فى التحرير قد ارهقنى و رغم ذلك لم استطع مقاومة إغراء ان اسأله ما وجه الصفاقة بالضبط فى الكلمة دى—قلت له بأدب مصطنع "هو حضرتك الى يطالب بحقه يبقى قليل الأدب؟", و الحقيقة الراجل كان عصبى فجاء رده مختلط بالرذاذ و الكلام الفارغ الذى ينم عن فكر سلطوى متجذر فى الاسرة المصرية اصلا عن ان العيال لازم تحترم الكبير (والاحترام معناه انك متطالبش باى حاجة و تعامل الحكومة زى ما بتعامل ابوك بالضبط), ولكن الآخرين ممن وقفوا معه كانوا اكثر تحضرا و كلمونى بالراحه عن "وقف حال البلد" و عن مخطط "حرق وزارة الدفاع", و كل شوية الراجل الاولانى العصبى يرفع من حدة الحديث فمرة يقول لى "على فكرة حتى لو ماكانش فى شرطة عسكرية احنا كنا هنمنعكوا من الوصول لوزارة الدفاع"!, و مرة تانية يقول لى "بطلوا تقولوا الشعب انا مش عايزكم تتكلموا باسمى", احاول اهاوده و اقوله "يا سيدى مااهو انا شعب و انت شعب لو مش عاجبك الى باقوله من حقك تنزل و تقول الشعب يريد عكس الى انا بقوله برضه انما اكيد انا مش هامشى فى المسيرة و اقول 27% من الشعب يريدون اسقاط المشير مثلا!" استمر الحديث الى ان جاء شاب فى سنى و طلب منى باقتضاب ان اتركهم لحالهم و اعود الى التحرير, قلتله "و انت ايه الى مضايقك انا بتناقش مع الناس بهدوء؟", و لما العدد زاد حوالية (كان فى تقريبا 8 واقفين فى دايرة حوالية) و زادت الحدة فى الكلام فكرت للحظة ان الموضوع قد يتطور وألاقى نفسى "معتقل من الشعب", لحد ما رجع نفس الشاب و شدنى برفق الى خارج الدائرة و اتضح انه احد المتظاهرين المنضمين الى المسيرة اصلا و خدنى من دراعى و هو بيقول "الناس دى مشحونة بكلام فارغ عن التحرير مش هتعرف تقنعهم بغير كده فى الظروف دى و هما كتير دلوقتى و الموضوع ممكن يقلب بعنف بسرعة خلينا نلم بعضنا و نمشى تفاديا لاى مشاكل". كانت الساعة 10.30 تقريبا و بدأنا فعلا فى المشي فى مجموعات صغيرة عائدين للتحرير.

المهم انا بس عايز اوصل نقطتين للناس الى مصرة تأكد ان دول اهالى مش بلطجية (و هو كلام صحيح الى حد كبير) و ان احنا اخطئنا فى تقدير الأمور و فى تقدير حالة الاحتقان إلى وصلها الشعب من التحرير: 
-     حديثنا مع الاهالى لا يعنى بالضرورة ان كل من اشتبكوا مع المتظاهرين كانوا مع الأهالي, و الأوقع انهم كانوا مجموعة مختلطة من السكان المشحونين ضد التحرير, و مجموعة من السكان الذين انتفضوا للدفاع عن منطقتهم و بعض من البلطجية (بالمعنى الأصلي للكلمة إلى حصله تشويه و مط بعض الثورة—اى محترف خناق مأجور او مدفوع من جهه معينة لإثارة الشغب), خصوصا ان أكثر من واحد من السكان نفسهم أكد ان عملية "حشد" منظمة للسكان كانت قد بدأت بالفعل بعد مسيرة 22 يوليو و ان بعض المشاركين فى الاشتباك لا ينتمون للعباسية.
-    تانى حاجة لا يجب ان نقلل من الفجوة الموجودة بين المتظاهرين و المعتصمين فى التحربر و بقية الشعب, ولكن لا نستطيع ان نلوم أنفسنا على اتساع الفجوة دائما فى ظل وجود إعلام معادى للثورة و الثوار و فى ظل تردد اتهامات باطلة يدعمها المجلس العسكرى عن العمالة و الخيانة و الجاسوسية. كما اننا لا يجب ان نبالغ ايضا فى حجم هذه الفجوة, فودية المشاه و السكان الذين مرت بهم المظاهرة قبل الوصول الى العباسية مؤشر قوى ان مازال هناك قطاع (قد يكون أقلية) من الشعب مؤمن بقضيتنا او على الأقل متعاطف معها, والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق